نادي “قاف للكتاب”… حلوى طرابلس الثقافي

لبنان عربي – مطيعة حلاق
“إنطلاق الفكرة جاء إيماناً من المؤسسين بالكلمة ودور المعرفة في عملية التنمية الاجتماعية من جهة، والعمل على مشاركة شغف القراءة والتعريف بعوالم الكتابة وتحديداً بالرواية ودورها في تسطير تاريخ وثقافة مجتمع من جهة ثانية”، على حد قول صبيح، التي أرجعت إختيار الكتب التي تناقش شهريا، وأسماء الضيوف التي يستقبلها النادي، الى مشاركة واقتراحات أعضاء النادي، بحيث تخضع العناوين المقترحة لعملية تصويت ويتم اعتماد اللائحة على مدى سنة لكل شهر كتاب وحلقة نقاش”.

ورش ودورات تدريبية متخصصة
شغف القراءة وتحليل ما وراء النصوص والروايات والقصائد هو المحرك الأساس لأنشطة النادي المتميزة بالدينامية والتنوع، حيث لم يكتفِ أعضاؤه بندوات مناقشة الكتب والروايات، بل تنوعت من خلال تنظيم الورش التدريبية المتنوعة في كتابة الشعر والقصة القصيرة والرواية على إختلاف مضامينها، الى تحليل النصوص الروائية ودورات في اللغة العربية وغيرها من المواضيع التي يقترحها المهتمون.
كما أن استضافة كتاب وأدباء عرب ومحليين، أسهم في توسيع الآفاق واستحداث علاقات ثقافية جديدة شملت فلسطين المحتلة، الاردن، مصر، والبحرين وغيرها، وأوجد حركة ثقافية كانت طرابلس تفتقدها، مع الاشارة الى ان ضيوف النادي يستقطبون جمهوراً متنوعاً وكبيراً من المهتمين والمتخصصين من كتاب وروائيين الى نقاد والصحافيين والشعراء من مختلف انحاء العالم العربي.
لقاءات وحوارات غنية
يغتني الحوار في اللقاءات وتصبح للنقاشات نكهة خاصة مع التفاعل الكبير بين الاعضاء والمهتمين من صحافيين وطلاب ومحامين ومهندسين وعاملين في المجال العلمي أو الطبي على السواء.
المحامية سامية بحري وهي عضو الهيئة الادارية في النادي والآتية من خلفية قانونية تقول لـ”لبنان عربي”: “أتاح لي الانضمام الى “قاف” الفرصة للتعرف على كتّاب وادباء وشعراء كنت احلم بلقائهم ولم يكن ليتحقق لي ذلك لولا “قاف”. وبسبب انضمامي عدت لممارسة شغفي بالقراءة وحتى الكتابة وهما هوايتان كنت قد هجرتهما لسنين طويلة بسبب التزاماتي العائلية والمهنية، وبالنسبة لي فهذا ليس بالحدث العادي ابداً.”

ماذا قدّم النادي لطرابلس؟
تضيف بحري: “للأسف أن طرابلس مدينة مهملة من قبل الجهات الرسمية على كافة الصعد، لا سيما في مجال الثقافة ويكاد ينحصر نشاطها الثقافي في فعاليات معرض الكتاب السنوي الذي تنظمه مشكورة الرابطة الثقافية.
ولأن طرابلس تتكل على المبادرات الفردية في محاولة انمائها، اتت مبادرة الدكتورة عائشة يكن بانشاء نادٍ للقراءة يعيد احياء طرابلس ثقافياً، ويضعها بقوة على خارطة الثقافة الوطنية من جديد، ويعرّف كبار الكتاب على مدينة الفيحاء”. وبرأي البحيري فإن “قاف” وفر “ملاذاً للكثير من ابناء المدينة المثقفين ومحبي القراءة من كل الفئات والأعمار”.
ويقول البروفسير الأمير وليد الأيوبي رئيس قسم العلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية لـ”لبنان عربي”: “نادي قاف هو منبر ثقافي رائد، يؤمن رواده بحوار الأفكار وسيلة لبناء الإنسان والمجتمع على أسس أخلاقية راسخة… وهو المبادرة المعيارية المضادة والنقيض الصالح والخطاب الثقافي التغييري الهادف”.
من فلسطين قلب العروبة النابض الى طرابلس
لا يغفل اعضاء النادي الشخصيات الأدبية والفكرية المحلية في طرابلس ولبنان عامة حيث جرى تكريم خاص للسفير الدكتور خالد زيادة مع توقيع عدد من كتبه وآخر اصداراته “مدينة على المتوسط” وتكريم الأديبة مي منسى بعد وفاتها، الى استضافة الدكتور جبور الدويهي ودكتور بلال عبد الهادي والصحافي جهاد الزين وسواهم الكثير.
أيضاً حل الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي ضيفاً على النادي واحتفت به طرابلس، في مركز الرابطة الثقافية حيث غص المسرح بالحضور من جميع انحاء لبنان كما الكتاب الفلسطينيين مروان عبد العال وإبراهيم نصر الله (حائز على جائزة بوكر)، الى الكاتبة بثينة العيسى من الكويت، وسواهم الكثير..
“قاف” والثورة
استطاع “نادي قاف للكتاب” خلال مدة قصيرة من تأسيسه أن يكون علامة فارقة في الحركة الثقافية في طرابلس، وهو رغم تراجع حركة الأنشطة الثقافية في المدينة منذ بدء الثورة إلا أن “قاف” ما زال يسير في طريق تنظيم لقاءاته الشهرية التي يتحلق فيها الحضور في جو حميم وتفاعلي يغني العقل والروح في آن واحد. حضور متنوع بتنوع الخلفية الثقافية والاجتماعية للأعضاء الذين يطغى عليهم العنصر النسائي ، حيث نجد ربات المنزل إلى جانب طلاب الجامعة إلى الموظفين والمتقاعدين يجمعهم شغف واحد: حب القراءة….”.
ومؤخراً استضاف النادي حلقة حوارية حول نتائج استبيان اجري عن “الحراك الشعبي” الذي رافق الثورة وديناميته في شمال لبنان، كما خصصت حلقة حوارية حول تاريخ الثورات بعنوان “نماذج ومقومات النجاح” و”سيكولوجية الثورة”، و”العبور الى الجمهورية الثالثة”، مع دارسين وباحثين متخصصين في العلوم الاجتماعية والسياسية والنفسية، وهذا يعكس متابعة اعضاء النادي ومحبيه للتطورات المجتمعية والحراكية في طرابلس ولبنان.
ويستمر النادي بمتابعة مهامه الثقافية، والقراءات واطلاع المهتمين على آخر الاصدارات العربية ومناقشتها في اللقاءات القادمة.
من هنا يعتبر البعض ان “قاف” استطاع تحريك المياه الثقافية الراكدة في طرابلس، وجاء التحريك على أيدي سيدات يتقن ذلك كما يتقن تحضير الطبخ المنزلي لعائلاتهن، حتى بات “الطبخ الثقافي” اختصاصهن، معايير توضع بدقة متناهية لكل جلسة ولقاء واستضافة، كربة منزل ناجحة تحضر لأولادها قالبا من الحلوى، حتى صار “قاف” “حلوى المدينة الثقافي”، ومعه عاد شيئ من طعم المدينة ودورها التاريخي.
١٢/٣/٢٠٢٠